بسم الله الرحمن الرحيميقول الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَىٰ أُولَٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101)) الأنبياء .
اعلم أخي المؤمن ! أنّ الناس في أمر الخاتمة ــ نسأل الله تعالى حسنها بمنّه وكرمه ــ على ثلاثة أصناف :
الأوّل :من أكرمه الله تعالى بحسن الخاتمة بصورة ظاهرة ، كمن قتل في سبيل الله تعالى ، أو مات صائماً ، أو حاجّاً ، أو ختم له بذكر الله تعالى وتوحيده ، أو على أيّ طاعة من الطاعات لله تعالى ، أو بعد طاعة من الطاعات المكفّرة للخطايا ، كمن مات بعد صيام شهر رمضان ، أو بعد أداء فريضة الحجّ ..
الثاني : من ختم له بسوء الخاتمة ، والعياذ بالله تعالى ، كمن مات على معصية من المعاصي ، أو كبيرة من الكبائر ، أو مات مصرّاً على الكبائر ، كترك الصلاة ، وشرب الخمر ، وأكل الربا ، أو ظلم الناس والعدوان على حقوقهم ، أو دعي إلى الشهادة قبل موته فرفض النطق بها .. ولا يعني سوء الخاتمة أنّه مات على الكفر ، ولكنّه يخشى عليه أن يكون كذلك .. ولا نجزم بذلك ، إلاّ إذا سمعنا منه الكفر ، الذي لا يقبل التأويل قبل موته بقليل ..
الثالث : من كان مستور الحال في خاتمته ، ممّن لم يكن على حال أحد الصنفين السابقين ، فنرجو لهذا أن يكون عند الله تعالى حسن الخاتمة ، حسنَ المآل ..
فمن أراد أن يكرمه الله بِحسن الخاتمة فعليه أن يحكم دائماً أمر التوبة النصوح ، فيحاسب نفسه ، ويجدّد التوبة ، قال الإمام ابن رجب رحمه الله تعالى : الناس في التوبة على أقسام :
ـ فمنهم من لا يوفّق لتوبة نصوح ، بل ييسّر له عمل السيّئات من أوّل عمره إلى آخره ، حتّى يموت مصرّاً عليها ، وهذه حالة الأشقياء ـ والعياذ بالله تعالى .
وأقبح من ذلك من يُسّر له في أوّل عمره عمل الطاعات ، ثمّ ختم له بعملٍ سيّءٍ حتّى مات عليه ، كما في الحديث الصحيح
.. وإنّ أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنّة .. )(جزء من حديث طويل رواه البخاريّ برقم 6/220/ ومسلم برقم /2643/ .) .
ـ وقسم :يفني عمره في الغفلة والبطالة ، ثمّ يوفّق لعملٍ صالحٍ فيموت عليه ، وهذه حالة من عمل بعمل أهل النار .. والأعمال بالخواتيم .. وهؤلاء منهم من يوقظ قبل موته بمدّة ، يتمكّن فيها من التزوّد بعملٍ صالح ، يختم به عمره ، ومنهم من يوقظ عند حضور الموت ، فيوفّق لتوبة نصوح ، يموت عليها .
ـ وقسم : هو أشرف الأقسام وأرفعها ، وهو من يفني عمره في الطاعة ، ثمّ يُنبّه على قرب الأجل ، ليجدّ في التزوّد ، ويتهيّأ للرحيل بعملٍ يصلح للقاء ، ويكون خاتمة للعمل .
وتأخير التوبة في حال الشباب قبيح ، وفي حال المشيب أقبح وأقبح ، فإن نزل المرض بالعبد ، فتأخيره للتوبة حينئذٍ أقبح من كلّ قبيح .. " ومن نزل به الشيب فهو بمنزلة الحامل ، التي تمّت شهور حملها ، فما تنتظر إلاّ الولادة ، كذلك صاحب الشيب ، لا ينتظر إلاّ الموت ، فقبيح منه الإصرار على الذنب .